تعتبر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بمثابة زلزال اقتصادي هز أركان النظام التجاري العالمي، وخلف وراءه تداعيات واسعة النطاق على مختلف المستويات. فمنذ أن بدأت هذه الحرب، لم تقتصر تداعياتها على الدولتين المتنازعتين، بل امتدت لتشمل جميع الدول المرتبطة بهما تجارياً واقتصادياً، مما أثار تساؤلات حول مستقبل النظام التجاري العالمي ومدى قدرته على الصمود في وجه مثل هذه التحديات.
في هذا المقال من ايكونومتريك، سنستكشف تأثير الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على الأسواق العالمية. ستتناول هذه الدراسة تداعيات التوترات التجارية بين البلدين على النمو الاقتصادي العالمي، وتأثيرها على سلاسل التوريد، بالإضافة إلى استعراض ردود أفعال المستثمرين والشركات.
ما هي الحرب التجارية بين أمريكا والصين
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي نزاع اقتصادي مستمر بين أكبر اقتصادين في العالم، بدأ في عام 2018. تتضمن هذه الحرب فرض رسوم جمركية متبادلة على السلع المستوردة، بالإضافة إلى اتهامات متبادلة بممارسات تجارية غير عادلة.
أسباب الحرب التجارية:
- الميزان التجاري غير المتوازن: اتهمت الولايات المتحدة الصين بتحقيق فائض تجاري كبير على حسابها، مما أدى إلى عجز تجاري أمريكي كبير.
- الممارسات التجارية غير العادلة: اتهمت الولايات المتحدة الصين بعدة ممارسات تجارية غير عادلة، مثل سرقة الملكية الفكرية، والإعانات الحكومية للشركات المحلية، وتقييد الوصول إلى السوق الصينية.
- المنافسة على الهيمنة الاقتصادية: يعتبر البعض أن الحرب التجارية تعكس صراعًا أوسع على الهيمنة الاقتصادية العالمية بين القوتين.

أبرز المحطات والتصعيدات في الحرب التجارية
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي بدأت في عام 2018، شهدت عدة محطات وتصعيدات، بما في ذلك فرض رسوم جمركية متبادلة وزيادتها، مما أثر على الاقتصاد العالمي وأسواق المال.
أبرز المحطات والتصعيدات:
- بداية الحرب (2018): بدأت الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار، متهمة الصين بممارسات تجارية غير عادلة وانتهاكات للملكية الفكرية.
- الرد الصيني: ردت الصين بفرض رسوم جمركية مماثلة على واردات أمريكية.
- تصعيد الرسوم: استمرت الدولتان في فرض رسوم جمركية متزايدة على سلع بعضهما البعض، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التجارة وتخفيض حجمها.
- تأثيرات على الاقتصاد العالمي: أدت الحرب التجارية إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وتراجع الاستثمارات، واضطراب سلاسل التوريد.
- تأثيرات على الأسواق المالية: أثارت الحرب التجارية قلق المستثمرين، مما أدى إلى انخفاض أسعار الأسهم وتذبذب الأسواق المالية.
- مفاوضات غير حاسمة: جرت مفاوضات بين البلدين، لكنها لم تسفر عن نتائج ملموسة في وقف التصعيد.
اقرأ أيضاً:نمو المتاجر الإلكترونية في السعودية: أبرز المتاجر الإلكترونية وتقييماتها الاقتصادية
الصناعات الأكثر تضرراً من النزاع التجاري
تعتبر صناعات السيارات، الطائرات، والمنتجات الكيميائية من بين القطاعات الأكثر تضرراً من النزاعات التجارية، بالإضافة إلى قطاعات الأغذية والبناء التي تعتمد بشكل كبير على التجارة عبر الحدود.
إليك التفاصيل فيما يلي:
- صناعة السيارات: تعتمد صناعة السيارات بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، مما يجعلها عرضة للتأثر بالرسوم الجمركية والقيود التجارية.
- صناعة الطائرات: تواجه صناعة الطائرات تحديات مماثلة لصناعة السيارات، حيث تعتمد على شبكة معقدة من الموردين الدوليين.
- المنتجات الكيميائية: يمكن أن تتأثر صناعة المنتجات الكيميائية بالرسوم الجمركية على المواد الخام أو المنتجات النهائية، مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف أو انخفاض الطلب.
- قطاع الأغذية: تعتمد العديد من الشركات الغذائية على استيراد المكونات أو تصدير المنتجات النهائية، مما يجعلها عرضة للتأثر بالنزاعات التجارية.
- قطاع البناء: يعتمد قطاع البناء على استيراد مواد البناء والآلات، وبالتالي قد يتأثر بالقيود التجارية وارتفاع الأسعار.
تأثير الحرب على سلاسل التوريد العالمية
تؤثر الحروب بشكل كبير على سلاسل التوريد العالمية، مما يؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات وارتفاع التكاليف. تتسبب النزاعات في تعطل طرق النقل، ونقص المواد الخام، وزيادة الضغوط على الشركات لإعادة تنظيم عملياتها. هذا ويؤثر ذلك على جميع أنحاء العالم، حتى سلاسل التوريد التي ليس لها روابط مباشرة بالمنطقة المتضررة.
التأثيرات الرئيسية:
- تعطيل طرق النقل: الحروب تعطل طرق النقل البري والبحري والجوي، مما يؤدي إلى تأخير وصول البضائع وزيادة تكاليف الشحن [5، 4].
- نقص المواد الخام: قد تتسبب النزاعات في نقص المواد الخام التي تعتمد عليها الصناعات المختلفة، مما يؤدي إلى توقف الإنتاج أو تأخيره [5، 9].
- ارتفاع التكاليف: تؤدي الاضطرابات في سلاسل التوريد إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، وتكاليف الشحن، والتأمين، مما يزيد من التكاليف الإجمالية للإنتاج والتجارة [10، 6].
- اضطراب الإنتاج: تعطل مناطق الحرب الإنتاج المحلي وتعطيل قنوات النقل والخدمات اللوجستية الحيوية لسلاسل التوريد.
- زيادة المخاطر: تزيد الحروب من المخاطر المحتملة على سلاسل التوريد، مثل الهجمات الإلكترونية على الشركات أو البنية التحتية.
- التضخم: يؤدي اضطراب سلاسل التوريد إلى ارتفاع التضخم، مما يؤثر على الاقتصاد العالمي.
- تراجع التجارة:يؤدي عدم الاستقرار الناتج عن الحروب إلى تراجع التجارة العالمية وتأثر الاقتصاد بشكل عام.
اقرأ أيضاً:كيفيَّة تجنُّب الديون والتخلُّص من الأَعباء الماليَّة: دليل عملي لتحقيق الاستقرار المالي
موقف الدول الأخرى من الصراع التجاري
تتخذ الدول الأخرى مواقف متباينة تجاه الصراع التجاري بين الدول الكبرى، وغالباً ما تتأثر هذه المواقف بمصالحها الاقتصادية والسياسية. بعض الدول تسعى للتوسط وتهدئة التوترات، بينما البعض الآخر قد يستغل الفرص التجارية التي تتيحها الأزمة.
مواقف الدول الأخرى:
- الدول التي تسعى للتوسط: تسعى بعض الدول، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، إلى لعب دور الوسيط في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، بهدف تخفيف التوترات وتجنب تصاعد الأزمة.
- الدول التي تستغل الفرص: تستفيد بعض الدول من الأزمة من خلال زيادة صادراتها إلى الدول المتضررة من الرسوم الجمركية، أو من خلال جذب الاستثمارات التي كانت متجهة إلى الدول المتنازعة.
- الدول التي تتأثر سلباً: تتأثر العديد من الدول سلباً بالحرب التجارية، سواء بشكل مباشر من خلال الرسوم الجمركية المفروضة على صادراتها، أو بشكل غير مباشر من خلال تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتراجع التجارة الدولية.
- الدول التي تتبنى الحياد: هناك دول تتبنى موقفاً محايداً في الصراع التجاري، وتحاول تجنب الانحياز إلى أي طرف.

توقعات مستقبلية: هل هناك انفراج قريب
تتوقع العديد من التقارير أن تستمر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في التأثير سلباً على الأسواق العالمية، مع تراجع نمو التجارة العالمية وانخفاض الصادرات، وزيادة التضخم في بعض المناطق.
التأثيرات المتوقعة على المدى القريب والمتوسط:
- تراجع نمو التجارة العالمية: من المتوقع أن يؤدي استمرار الرسوم الجمركية المرتفعة والتوترات التجارية إلى تباطؤ نمو التجارة العالمية.
- اضطراب سلاسل الإمداد: قد تضطر الشركات إلى إعادة تنظيم سلاسل الإمداد الخاصة بها لتجنب الرسوم الجمركية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف.
- ارتفاع التضخم: قد يؤدي انخفاض الصادرات وزيادة التكاليف إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، خاصة في الدول التي تعتمد على الاستيراد.
- تباطؤ النمو الاقتصادي: قد يؤدي تراجع التجارة العالمية واضطراب سلاسل الإمداد إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من الولايات المتحدة والصين والدول الأخرى.
- انخفاض أداء الأسواق المالية: قد يشهد أداء الأسواق المالية تراجعاً بسبب عدم اليقين بشأن السياسات التجارية وتأثيرها على الشركات.
الخاتمة
في الختام، تظهر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أنها ليست مجرد نزاع ثنائي، بل قضية عالمية تؤثر على النمو الاقتصادي، واستقرار سلاسل التوريد، والتوترات الجيوسياسية. إنها تبرز الحاجة الملحة إلى التعاون الدولي وإيجاد حلول سلمية للتحديات التجارية لتجنب المزيد من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل.”