يعتبر الاقتصاد الدائري واحداً من أهم أنواع الاقتصاد الذي ظهرت في الآونة الأخيرة في العديد من دول العالم، حيث بدأ استخدامه للحفاظ على البيئة ويعمل على خفض تكاليف الإنتاج للسلع والمواد الاستهلاكية، تكمن أهميته في محاولة تدوير بعض المواد والنفايات لتدخل في عملية إنتاج بعض المواد وبالتالي التخفيف من التلوث والحفاظ على البيئة.
بدأت في الأعوام القليلة الماضية ظهور أنواع جديدة من الابتكارات في عالم المال والأعمال تهدف إلى المحاولة في تخفيض تكاليف الإنتاج ومساعدة الشركات في الوصول إلى مراحل متقدمة في الإنتاج لتحصل بذلك على سلع ذات سمعة طيبة وبالتالي تحقيق أرباح تنعكس إيجاباً على الأفراد والشركات في نفس الوقت.
سنتناول في مقالنا هذا الحديث عن هذا النوع من الاقتصاد حيث سنقوم بتعريفه والتعرف على مبادئه وأهدافه وتطبيقاته ومؤشراته، كما سنقوم بتسليط الضوء على علاقته مع التنمية المستدامة وسنذكر تجارب بعض الدول التي قامت بتجربته، فقط إبقى معنا وتعرف على كل ماهو جديد في هذا العالم المذهل، هيا لننطلق في رحلتنا هذه.
ماذا نعني بالاقتصاد الدائري؟ تعريفات وأسس:
يمكن تعريف الاقتصاد الدائري بأنه نموذج اقتصادي يقوم على تقليل الهدر من المواد والسلع والطاقة ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان وبهذا يتم خفض الاستهلاك والنفايات والانبعاثات، حيث يتم ذلك من خلال تبسيط العمليات وسلاسل الإمداد المرتبطة بها.
يقوم الاقتصاد الدائري بالاستفادة من جميع المواد الخام والمعادن والطاقة والموارد بجميع أشكالها، إضافة إلى إعادة التدوير والاستخدام وإعادة التصنيع والتطوير معلنة نهاية عصر الهدر والنفايات والانبعاثات التي تقوم بزيادة التلوث في البيئة.
لذلك يمكن القول بأن الاقتصاد الدائري يعمل على تطوير الأنظمة الصحية والاستهلاكية والتعريف بشكل مباشر بقيمة الأشياء وأهمية الاستخدام الأمثل لها وبالتالي تقليل الآثار السلبية الناتجة عن الأنماط الاقتصادية التقليدية، كما أنه يساعد على خلق فرص عمل جديدة عند أفضل الشركات والاستثمارات ناهيك عن المزايا الجيدة التي سيحظى بها كل من المجتمع والبيئة.
مبادئ الاقتصاد الدائري: النظرية والتطبيق:
يستند الاقتصاد الدائري على مجموعة من المبادئ وهي :
- استخدام المواد الخام بشكل قليل من خلال إدخال المواد المعاد تدويرها بشكل مباشر في عمليات الإنتاج.
- التقليل من الفاقد والنفايات والمخلفات من خلال إنتاج مواد ذات جودة عالية وفي نفس الوقت قابلة للتحليل وإعادة الاستخدام.
- تقليل الانبعاثات الضارة حيث يتم ذلك من خلال استخدام الطاقة المتجددة مما يقلل من الاعتماد على الموارد ويزيد من مرونة وكفاءة الأنظمة العاملة.
أهداف الاقتصاد الدائري: الاستدامة والابتكار:
تولد أهداف الاقتصاد الدائري من أهميته والتي تتمثل بما يلي:
- حماية البيئة من خلال التخفيف من الانبعاثات الضارة التي تعمل على تغيير المناخ، والتقليل من استهلاك الموارد الطبيعية والتقليل من إنتاج النفايات وفقدان التنوع البيولوجي.
- الفائدة الكبيرة للاقتصاد المحلي من خلال التشجيع على إعادة تدوير بعض المنتجات وإدخالها بشكل مباشر في عمليات إنتاج جديدة.
- تعزيز نمو التوظيف والحد من البطالة من خلال خلق فرص عمل جديدة لدى أفضل الشركات المحلية والعالمية.
- الاعتماد على الموارد المحلية والتقليل من الاعتماد على استيراد المواد الخام.
- يساعد الاقتصاد الدائري في الرفاهية الاجتماعية وتحقيق العدالة من خلال تحسين الوصول إلى السلع المنتجة والخدمات المقدمة.
- يعيد الاقتصاد الدائري ترميم رأس المال الطبيعي.
تطبيقات الاقتصاد الدائري: من النظرية إلى الممارسة:
يحتوي الاقتصاد الدائري على تطبيقات عديدة ومتنوعة هدفها واحد وهو تقليل الهدر وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد ومن هذه التطبيقات مايلي:
- إعادة التدوير والاستخدام للمواد من خلال تصميم منتجات يمكن إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها في نهاية عمرها الافتراضي، مثل إعادة تدوير البلاستيك والورق والمعادن.
- تصميم المنتجات والسلع بشكل مستدام حيث يتم ذلك من خلال استخدام مواد قابلة للتحلل أو التدوير في عملية تصميم المنتجات لتسهيل إعادة استخدامها أو تدويرها.
- إعادة التصنيع من خلال تفكيك المنتجات المستعملة واستخدام أجزائها في صناعة وابتكار منتجات جديدة، مثل إعادة تصنيع قطع الغيار الإلكترونية.
- الاقتصاد التشاركي حيث يعمل على تشجيع مشاركة واستخدام الموارد بشكل مشترك بين أفراد المجتمع الواحد، مثل مشاركة السيارات والدراجات والأدوات.
- استخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع المنتجات بطريقة تقلل من الهدر وتزيد من كفاءة استهلاك المواد.
- إدخال الاقتصاد الدائري في الزراعة من خلال المحافظة على التربة والتقليل من استخدام المواد الكيمائية وإعادة استخدام النفايات العضوية كسماد يساهم في دعم التربة والمحافظة عليها وبالتالي زيادة في عمليات الإنتاج الزراعي.
- العمل على إدارة النفايات الذكية من خلال تطوير تقنيات وأنظمة إدارة النفايات التي تعمل على تسهيل جمع وفرز وإعادة تدوير المخلفات بشكل أكثر فعالية.
ويعد الاقتصاد الدائري من الأنواع التي يمكن تطبيقها بشكل سريع على أرض الواقع بمجرد اتباع هذه الخطوات:
- العمل على تصميم وابتكار المنتجات لتصبح دائرية، ولا يقتصر ذلك على عمليات البيع فقط إنما يتخطاه ليقدم خدمات وحلول لإعادة استخدامها وتدويرها حتى انتهاء عمرها الافتراضي.
- تعاون كل من الشركات وأفراد المجتمع لتشكيل سلاسل توريد دائرية.
- إدارة استخدام المنتج في نهاية عمره الافتراضي بحيث تتحمل الجهة التي قامت بانتاجه أول مرة مسؤولياتها في ما قد يحدث له بعد استخدامه من العميل، بحيث تتمكن هذه الشركة من جمعه وإعادة استخدامه مرة أخرى أو إعادة صناعته لتشكيل منتج أخر وجديد.
مؤشرات الاقتصاد الدائري: قياس النجاح والاستدامة:
هي عبارة عن المقاييس التي تستخدم في تقييم الأداء الدائري للاقتصاد، حيث أنها لاتركز على المقاييس الاقتصادية التقليدية فقط بل تتعداها لتدخل في عمليات النمو و الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تدخل في عمليات إعادة التدوير وإدارة النفايات والاستخدام الأمثل للموارد.
عند دمج كل تلك النقاط والعوامل توفر تلك المؤشرات رؤية أكثر شمولية لاستدامة الاقتصاد وكفاءته، ومن الجدير بذكره أن تلك المؤشرات تم جمعها بين عامي 2018 و2020، حيث بدأت العديد من الشركات والمنظمات والحكومات استخدام تلك المؤشرات للقيام بعملية التقييم والمراقبة للانتقال إلى الاقتصاد الدائري، حيث يقوم صناع القرار في تلك المنظمات باتخاذ الإجراءات المناسبة للانتقال الأمثل إلى هذا النوع من الاقتصاد، كما يمكنهم من خلالها قياس فعالية النماذج المقدمة للأعمال الدائري الخاصة بالشركات لضمان تقديم الجودة العالية للمنتجات وتحسين أعمالها الأخرى.
الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة: مسارات متوازية:
يعد الاقتصاد الدائري نموذجاً اقتصادياً متميزاً ومبتكراً، يعمل على القضاء على كل مساوئ الاقتصاد التقليدي والوصول إلى حلول جيدة لتلك المشاكل وبالتالي تحقيق تنمية مستدامة من خلال الدخول في أهم المساهمات الاقتصادية والبيئية التي يمكن للاقتصاد الدائري أن يدخلها.
يعمل الاقتصاد الدائري بشكل مباشر على الحد من النفايات وتحويلها من عبء إلى مورد هام يتم إدخاله بشكل مباشر في عمليات الإنتاج وبالتالي تقليل الأخطار التي تشكلها النفايات على الصحة العامة والبيئة، كما أنه يساهم بشكل مباشر في خلق فرص عمل جديدة والتقليل من استنزاف الموارد الطبيعية الداخلة في عمليات الإنتاج، لذلك كان له الدور الأمثل في تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق أفضل سلاسل إمداد لين الشركات والمنظمات وجميع أفراد المجتمع.
تجارب دولية في الاقتصاد الدائري: دراسة حالة ونماذج ملهمة:
خاضت بعض الدول العديد من التجارب في الاقتصاد الدائري، بعد أن رسمت خارطة طريق لتبدأ العمل في هذا المشروع الناجح، ومن بينها فنلندا، حيث قامت الحكومة فيها بوضع القوانين والأنظمة التي من شأنها أن تساعد في الدخول في مثل هذا النوع من الاقتصاد، لذلك تعاضدت جميع القطاعات وبدأت العمل به من المدارس من خلال وضع مناهج تدرس في المدارس وصولاً إلى ثقافة عامة مجتمعية تعمل على ترسيخ هذا الفكر البناء وتشجيع ثقافة المسؤولية وفكرة محدودية الموارد.
كما قامت دول منطقة اليورو في ترقية مؤشرات الاقتصاد الدائري من خلال تطوير نشاطات الإنتاج والاستهلاك لتحقيق اكتفاء ذاتي في المواد الخام الداخلة في عمليات الإنتاج، كما قامت تلك الدول في تنشيط التنافس والابتكار وإدارة المخلفات بطرق ذكية، ووصلت بذلك إلى أهدافها المرجوة من التخطيط الأمثل للموارد إلى الإستخدامات المختلفة مع تهيئة البنى التحتية المختلفة لتطوير عمليات الإنتاج.
في الختام، نجد أن الاقتصاد الدائري يقدم الحلول لتلك المشاكل والأمراض التي يعاني منها عالمنا حالياً من تلوث وأضرار عامة في الصحة والبيئة، لذلك يجب أن تتضافر الجهود بين الأشخاص والمجتمعات والشركات والحكومات للعمل بشكل جدي للوصول إلى اقتصاد نظيف يعمل على الاستدامة ويحقق الوفرة الاقتصادية والعدالة في توزيع المواد ويساهم بشكل مباشر في حماية عالمنا هذا الذي نعيش فيه.