في عالم الأَسواق الماليَّة المتسارع، يواجه المستثمرون تحدّياً مستمرّاً في اتّخاذ قرارات استثماريَّة تجمع بين الحذر والجرأة. هل تتساءل يوماً كيف يتمكَّن المستثمرون المحترفون من التنبُّؤ بحركات الأَسواق أَو اختيار الأَسهم الَّتي تحقّق عوائد استثنائيَّة؟ الإجابة تكمن في أَدوات التحليل الَّتي يعتمدون عليها: التحليل الفنّي والتحليل الأساسي. هذان النهجان يمثّلان ركيزتين أَساسيَّتين في عالم التداول والاستثمار، ولكلّ منهما فلسفته الخاصَّة وأَدواته المميَّزة.
في هذا المقال، سنستعرض تعريف كلّ منهما، الفروقات بينهما، وكيفيَّة استخدامهما بفعاليَّة لتحقيق أَهدافك الاستثماريَّة، سواء كنت تسعى لتحقيق أرباح سريعة أو بناء استثمارات طويلة الأمد.
إذا كنت مديراً تنفيذيَّاً أَو مستثمراً طموحاً، فهذا الدليل سيزوّدك بالمعرفة الَّلازمة لفهم هذه الأَدوات وتطبيقها بذكاء.
تعريف التحليل الفنّي
التحليل الفنّي هو منهجيَّة تُستخدم لتوقُّع حركة أَسعار الأسهم أو الأصول الماليَّة بناءً على دراسة البيانات التاريخيَّة للأَسعار وحجم التداول. يعتمد هذا النهج على فكرة أَنَّ الأَسعار تتحرَّك وفق أنماط واتجاهات يمكن التنبُّؤ بها باستخدام مؤشّرات التحليل الفنّي مثل المتوسّطات المتحرّكة، مؤشّر القوّة النسبيَّة (RSI)، وخطوط الدعم والمقاومة. أساسيَّات التحليل الفنّي:
- الرسوم البيانية: يعتمد المحلّلون الفنّيُّون على الرسوم البيانيَّة (مثل الشموع اليابانيَّة) لتحليل تحرُّكات الأسعار.
- الاتّجاهات: يُركّز التحليل الفنّي على تحديد الاتجاهات الصاعدة، الهابطة، أو الجانبيَّة.
- المؤشّرات الفنّيَّة: تشمل أدوات مثل MACD (المتوسّط المتحرّك للتقارب والتباعد) و Bollinger Bands لتحديد فرص الشراء أو البيع.
ولفهم هذا المفهوم أكثر سأقدم لك المثال التالي لو كنت تتابع سهماً لشركة تقنيَّة ولاحظت أن سعره يرتفع كلّما اقترب من مستوى دعم معيَّن (مثل 100 دولار) وينخفض عند مستوى مقاومة (مثل 120 دولار). باستخدام التحليل الفنّي، يمكنك تحديد النقاط المثلى للشراء أو البيع بناءً على هذه الأنماط.
تعريف التحليل الأساسي
ما هو التحليل الأَساسي في البورصة؟ التحليل الأَساسي هو أُسلوب يهدف إلى تقييم القيمة الحقيقيَّة للشركة أو الأصل المالي بناءً على بياناتها الماليَّة والاقتصاديَّة.
يركّز هذا النهج على تحليل القوائم الماليَّة، الأداء التشغيلي، والظروف الاقتصاديَّة العامَّة لتحديد ما إذا كان السهم مقيّماّ بأقل أو أكثر من قيمته الحقيقية.
عناصر التحليل الأساسي:
- القوائم الماليَّة: تتضمن الميزانيَّة العموميَّة، قائمة الدخل، و تدفُّقات النقد.
- المؤشّرات الماليَّة: كنسبة السعر إلى الأرباح (P/E)، العائد على حقوق الملكيَّة (ROE)، ونسبة الدين إلى حقوق الملكيَّة.
- العوامل الاقتصاديَّة: مثل معدَّلات الفائدة، التضخَّم، وأداء القطاع الَّذي تعمل فيه الشركة.
ولتوضيح هذا المفهوم أَكثر إليك ما يلي إذا كنت تفكر في الاستثمار في شركة صناعيَّة، قد تدرس تقاريرها الماليَّة لتجد أنَّ أرباحها تنمو بنسبة 15% سنويَّاً، بينما يتم تداول السهم بسعر منخفض مقارنة بأرباحها. هذا قد يشير إلى أنَّ السهم مُقَيّم بأقل من قيمته، ممَّا يجعله فرصة استثماريَّة جذَّابة.
الفرق بين التحليل الفني والأساسي
ما هو الفرق بين التحليل الفنّي والأساسي؟ الفرق بين التحليل الفنّي والأَساسي يكمن في النهج، الأَدوات، والأَهداف. بينما يركّز التحليل الفنّي على تحرّكات الأَسعار وأنماط السوق، يهتم التحليل الأساسي بتقييم القيمة الجوهريَّة للشركة. إليك مقارنة تفصيليَّة للتحليلات:
المعيار | التحليل الفّني | التحليل الأساسي |
الهدف | توقُّع حركة الأسعار على المدى القصير أو المتوسّط | تقييم القيمة الحقيقيَّة للشركة |
البيانات المستخدمة | الأسعار التاريخيَّة وحجم التداول | القوائم الماليَّة والمؤشّرات الاقتصاديَّة |
الأدوات | الرسوم البيانيَّة، المؤشّرات الفنّيَّة | نسب ماليَّة، تقارير السوق |
المدَّة الزمنيَّة | قصيرة إلى متوسّطة الأَمد | طويلة الأمد غالباً |
متى تستخدم التحليل الفنّي؟
متى يكون التحليل الفنّي أَكثر فائدة؟ التحليل الفنّي يتألّق في سيناريوهات التداول قصير المدى أو استراتيجيَّات المُضَاربة، حيث يكون الهدف هو تحقيق أرباح سريعة من تقلُّبات الأسعار. يُفضَّل استخدامه في الحالات التالية:
- التداول اليومي: عندما يسعى المستثمر للاستفادة من تحرُّكات الأَسعار خلال يوم واحد.
- تحديد نقاط الدخول والخروج: يساعد في تحديد أفضل أَوقات الشراء أَو البيع بناءً على مستويات الدعم والمقاومة.
- الأسواق المتقلّبة: عندما تكون الأَسعار غير مستقرَّة، يمكن للتحليل الفنّي تحديد الاتّجاهات المُحْتَمَلة.
هل يمكن الجمع بين التحليل الفني والأساسي؟
نعم، ولكن دعونا أَوَّلاً نركّز على متى يكون التحليل الأساسي هو الخيار الأَفضل. يُعتبر التحليل الأساسي مثاليَّاً للاستثمار طويل الأمد، حيث يساعد المستثمرين على اختيار الشركات ذات الأساسيَّات القويَّة والنمو المُسْتَدام. يُستخدم في الحالات التالية:
- الاستثمار طويل الأمد: عندما يهدف المستثمر إلى الاحتفاظ بالأسهم لسنوات.
- تقييم الشركات الناشئة: لفهم إمكانات النمو بناءً على الأداء المالي.
- الأسواق المستقرة: حيث تكون البيانات الماليَّة أكثر موثوقيَّة.
هل يمكن الجمع بين التحليل الفنّي والأساسي؟
الإجابة هي نعم، بل إنَّ الجمع بينهما قد يكون الاستراتيجيَّة الأكثر فعاليَّة.
حيث يمكنك استخدام التحليل الأساسي لتحديد الشركات ذات القيمة العالية، ثمَّ استخدام التحليل الفنّي لاختيار أفضل توقيت لشراء الأسهم. هذا النهج يجمع بين رؤية طويلة الأَمد وقرارات تكتيكيَّة قصيرة الأمد. خطوات عمليَّة للجمع بينهما :
- حدّد الشركات القويَّة أَساسيَّاً: ابحث عن شركات ذات نمو مالي قوي وإدارة فعَّالة.
- استخدم التحليل الفنّي للتوقيت: انتظر حتَّى تظهر إشارات شراء قويَّة على الرسوم البيانيَّة.
- راقب الأخبار الاقتصاديَّة: لضمان أنَّ الظروف الخارجيَّة تدعم قراراتك.
خاتمة:
في النهاية، لا يوجد نهج واحد يناسب الجميع في عالم الاستثمار. التحليل الفنّي والأساسي ليسا متنافسين، بل مكمّلين لبعضهما. إذا كنت تسعى لتحقيق أرباح سريعة من خلال التداول قصير المدى، فإنَّ مؤشّرات التحليل الفنّي ستكون دليلك الأَمثل. أمَّا إذا كنت تخطّط لبناء ثروة مُسْتَدامة عبر الاستثمار طويل الأمد، فإنَّ تحليل الشركات وتقييم القيمة الحقيقيَّة سيمنحانك الأفضليَّة.