دليلك إلى العلاقة بين العرض والطلب والأسعار

العلاقة بين العرض والطلب والأسعار هي من أبرز القضايا الاقتصادية التي حازت على اهتمام الكثير من رجال الاقتصاد والسياسة، فالعرض والطلب هما عنصران رئيسيان في تحديد أسعار الخدمات والسلع في الأسواق، العرض يعتمد على كم السلع التي يمكن أن يقدمها البائعون وفق أسعار محددة، أما الطلب يعتمد على كمية السلع المراد شرائها من قبل المستهلكين بالسعر الذي تم تحديده.

عندما يزيد العرض على منتج معين وتتراجع نسبة الطلب عليه تنخفض الأسعار، نتيجة توفره بكميات كبيرة مع قلة الطلب عليه، في المقابل عندما يزداد الطلب على أحد المنتجات سيرتفع سعرها نتيجة إقبال المستهلكين على شرائها بشكل كبير، بحيث تكون الكمية المتاحة محدودة.

فهم العلاقة بين الطلب والعرض بشكل عميق من شأنه أن يساعد الشركات والأفراد في اتخاذ قرارات تجارية واستثمارية مستنيرة، حيث تؤدي المتابعة المستمرة للتغيرات التي تصيبها إلى توقع الحركات السعرية للاستفادة منها بشكل كبير، تابع معنا السطور التالية من إيكونومتريك لمعرفة أبرز المعلومات المرتبطة بعمليتي العرض والطلب.

العوامل التي تؤثر على العرض والطلب

توجد العديد من العوامل المؤثرة على عمليتي العرض والطلب، والتي يجب أن يفهمها الأفراد والشركات بشكل صحيح للقدرة على اتخاذ قرارات صحيحة ومدروسة، لذلك سنذكر لكم فيما يلي أبرز العوامل المؤثرة على كل منهما.

العوامل المؤثرة على العرض

يساعد الفهم الصحيح للعوامل المؤثرة على العرض في اتخاذ الشركات لقرارات صحيحة مرتبطة بمستويات الانتاج والتسعير، بالإضافة إلى إدارة المخزون، كما تساعد المستهلكين في معرفة العوامل المشكلة لنسبة توفر المنتجات، سنلخص لكم فيما يلي أبرز هذه العوامل:

• تكلفة المدخلات: والمدخلات هي الموارد أو المواد لإنتاج الخدمات والسلع، فعندما تزيد كلفة المدخلات سترتفع تكلفة تصنيع المنتجات، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض العرض.

• التقدم التكنولوجي: عند طرح تكنولوجيات جديدة ستزيد الكفاءة والإنتاجية، الأمر الذي يتيح أمام المنتجين طرح المزيد من الخدمات والسلع بتكلفة أقل، مع العلم أنه عندما لا يتم إدخال تكنولوجيات جديدة ستنخفض قدرة المنتجين على تلبية الطلب، وبالتالي انخفاض العرض.

• اللوائح الحكومية: تلعب دوراً كبيراً في توريد السلع والخدمات، فقد تفرض هذه اللوائح قيوداً على الصادرات أو الواردات أو اللوائح البيئية أو مراقبة الأسعار، كل ذلك سيحد من نسبة المنتجات المعروضة.

• الظروف المناخية والكوارث الطبيعية: تعلب دوراً في التأثير على توريد بعض المنتجات، وبشكل خاص تلك التي تعتمد على الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى أن الفياضانات والأعاصير قد تعطل شبكات النقل، الأمر الذي يعيق عملية توزيع السلع من قبل المنتجين، مؤثراً بذلك على سلسلة التوريد.

• التغيرات في التوقعات المرتبطة بظروف السوق المستقبلية قد يؤثر على نسبة المعروض من الخدمات والسلع، فمثلاً إذا توقع المنتجون زيادة الطلب على أحد المنتجات مستقبلاً سيعملون على زيادة المعروض، أما إذا توقعوا انخفاض الطلب عليها سيحدون من عرضها لتلافي زيادة المخزون، إذاً التغييرات في التوقعات من شأنها أن تؤدي إلى تقلبات في العرض، وبالتالي التأثير على ديناميكيات السوق.

العوامل المؤثرة على الطلب:

في إطار حديثنا عن العلاقة بين العرض والطلب والأسعار لا بد من أن نشير أيضاً إلى العوامل التي تؤثر على طلب المستهلكين للمنتج، لعل أبرزها ما يلي:

• سعر المنتج أو الخدمة: فعند ارتفاع سعر السلعة سينخفض الطلب عليها، والعكس صحيح، وهذا ما يُعرَف بقانون الطلب.

• دخل المستهلكين: يلعب دوراً كبيراً في تشكيل الطلب، فعند امتلاك المستهلكون دخل أعلى سترتفع قدرتهم على شراء المزيد من الخدمات والسلع، الأمر الذي يزيد من الطلب، أما في حال انخفاض الدخل سيحتاج المستهلكون إلى تحديد أولويات الإنفاق لديهم، الأمر الذي من شأنه أن يخفض نسبة الطلب على عناصر معينة.

• تفضيلات المستهلكين هي من العوامل المؤثرة على الطلب، فكما نعلم أن لكل فرد تفضيلات متنوعة ومختلفة، والتي قد تتغير وفقاً لعدة عوامل كالاتجاهات والإعلانات والتحولات الثقافية، الأمر الذي سيزيد من الطلب على منتجات معينة ويتراجع على منتجات أخرى.

• توفر البدائل لخدمة أو منتج معين، فعندما تتاح البدائل بسهولة سيمتلك المستهلكين المزيد من الخيارات، الأمر الذي يدفعهم للتوجه نحو بدائل أكثر جاذبية وبأسعار مقبولة، وبالتالي تراجع الطلب على المنتج الأصلي.

اقرأ أيضاً: أساسيات التخطيط المالي: المبادئ الأساسية لضمان الاستقرار المالي

دور التوازن بين العرض والطلب في تحديد الأسعار

يعد التوازن بين الطلب والعرض من المفاهيم الرئيسية التي تحدد أسعار الأسواق بمعنى آخر هو يخلق ديناميكية مستمرة تساهم في استقرار الأسعار وتضمن تخصيص الموارد بشكل فعال، حيث يتجلى ذلك فيما يلي:

• الوصول إلى سعر توازني عندما يحدث توازن بين الطلب والعرض في السوق، حيث تكون الكمية التي سيقدمها البائعون هي نفس الكمية التي يريد المستهلكين شرائها، الأمر الذي يضمن عدم وجود نقص أو فائض في السلع المتاحة، وبالتالي الحفاظ على استقرار السوق.
• عند حدوث اختلال بين الطلب والعرض ستتغير الأسعار لتعيد التوازن، فمثلاً: عندما يكون الطلب أعلى من العرض سترتفع الأسعار إلى أن يصل السوق لتوازن جديد، الأمر الذي يشجع المزيد من الإنتاج ويقلل من الطلب الزائد.
• يمنح التوازن بين الطلب والعرض السوق مزيداً من المرونة في مواجهة التغيرات الاقتصادية، على سبيل المثال عندما ترتفع تكاليف الإنتاج من المحتمل أن يقل العرض وبالتالي يزيد من الأسعار إلى أن يجد السوق طريقه إلى التوازن مرة أخرى.
• تعد الأسعار إشارة حيوية للمستهلكين والمنتجين، فعندما تتراجع الأسعار سيحدث انخفاض في الطلب أو ارتفاع في العرض، الأمر الذي يدفع المنتجين لتخفيض نسبة الإنتاج وزيادة الشراء من قبل المستهلكين.
• يؤدي التوازن بين العرض والطلب إلى تحسين الرفاهية الاقتصادية للمجتمع، الأمر الذي يزيد من كفاءة الموارد، فتصل بذلك الخدمات والمنتجات إلى المستهلكين بتكلفة أقل، ويحصل المنتجون على عوائد عالية.

تأثير الأحداث الاقتصادية الكبرى على العرض والطلب

تلعب الأحداث الاقتصادية دوراً جوهرياً في تشكيل ديناميات العرض والطلب ضمن الأسواق، حيث يساعد فهم تأثير هذه الأحداث في التكيف الصحيح مع التغيرات والوصول إلى قرارات استراتيجية تعزز الاستفادة من الفرص وتقلل من المخاطر، لذلك سنذكر لكم فيما يلي أبرز هذه الأحداث وآلية تأثيرها:

• الأزمات المالية كتلك التي حدثت في عام 2008، خلال هذه الأحداث يتراجع الطلب على المنتجات بشكل كبير نتيجة انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وفقدان الثقة، بالإضافة إلى ما تواجهه الشركات من صعوبة في تمويل عملياتها الأمر الذي يقلل من العرض، علاوة على ما تسببه هذه الأزمات في تراجع الدخل وارتفاع نسبة البطالة، وبالتالي انخفاض الطلب على الخدمات والسلع.

• حدوث تغير في السياسات المالية والنقدية التي تتخذها الحكومات والبنوك المركزية، فعندما ترتفع معدلات الفائدة سيتراجع معدل الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وبالتالي انخفاض الطلب، أما السياسات التحفيزية التي تشمل زيادة الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب تؤدي إلى زيادة الإنتاج وتعزيز الطلب على السلع والخدمات، بالتالي يرتفع العرض.
• تؤثر الكوارث الطبيعية كالزلازل والجفاف والأعاصير على العرض والطلب بشكل كبير، حيث من الممكن أن تؤدي هذه الكوارث إلى تدمير البنية التحتية وخسائر في الإنتاج فيتراجع العرض، في المقابل لا بد من أن نشير إلى أن هذه الكوارث قد تزيد من الطلب على خدمات ومنتجات محددة كمواد البناء والإغاثة الطارئة.
• الأحداث الجيوسياسية كالنزاعات والحروب التي تحدث خلل في العرض والطلب، فهي تعطل سلسلة التوريد فتزيد تكاليف الإنتاج ويقل العرض، كما أنها تحد من الأنشطة الاقتصادية وتخفض ثقة المستهلكين، فينخفض الطلب نتيجة ذلك.

اقرأ أيضاً: نصائح فعالة لإعداد الميزانية الموسمية للشتاء

أمثلة عملية من الأسواق المختلفة

سنذكر لكم فيما يلي أمثلة واقعية، وذلك لفهم العلاقة بين العرض والطلب والأسعار بشكل أعمق، إليكم أبرزها:

سوق النفط

تعد أسعار النفط من أبرز الأمثلة التي توضح آلية تأثر الأسعار بالتوازن بين الطلب والعرض، فمثلاً: عندما قررت منظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط) بتخفيض الإنتاج في عام 2020 نتيجة تراجع الطلب بسبب جائحة كورونا، حدث ارتفاع حاد بأسعار النفط، لاحقاً زاد الطلب بعد تعافي الاقتصاد العالمي، فزادت منظمة أوبك من الإنتاج بهدف تلبية هذا الطلب المرتفع، الأمر الذي أدى إلى استقرار الأسعار نسبياً.

سوق العقارات

تتأثر أسعار العقارات في المدن الكبرى مثل نيويورك وطوكيو بالتوازن بين العرض والطلب، فعندما يرتفع الطلب على المساكن نتيجة التحسن الاقتصادي والنمو السكاني سترتفع أسعار العقارات، كما أنه عندما تقوم الحكومات بزيادة تراخيص البناء وتشجيع تطوير مناطق جديدة، يزداد العرض وتنخفض الأسعار بسبب التوازن الحاصل بين العرض والطلب.

في ختام حديثنا عن العلاقة بين العرض والطلب والأسعار يمكننا القول أن الفهم الصحيح لها من شأنه أن يساعد الأفراد والشركات في اتخاذ قرارات اقتصادية مستنيرة، فهي تتيح إمكانية التنبؤ بالحركات السعرية وتحديد فرص الشراء أو الاستثمار المثلى، فيساعد ذلك في معرفة الوقت الملائم لدخول الأسواق أو الخروج منها، الأمر الذي يقلل من المخاطر ويزيد من فرص تحقيق الأرباح.