لا شك لدينا في أهمية كل من مفهومي العرض والطلب في المجال الاقتصادي بشكل عام، إذ إنهما يعتبران من الركائز الأساسية في علم الاقتصاد ككل، وذلك لأنهما يلعبان دورًا مهمًا في تحديد الأسعار وكيفية توجيه الموارد في الأسواق، حيث يمثل العرض الكمية المتاحة من سلعة أو خدمة معينة، بينما يشير الطلب إلى الكمية التي يرغب المستهلكون في شرائها عند مستوى معين من الأسعار، وبالتالي فإن التفاعل بينهما يؤثر بشكل مباشر على القرارات الاقتصادية للأفراد والشركات، إليك التفاصيل من إيكونومتريك.
شرح العرض والطلب
قبل أن نتطرق إلى تأثير كل من العرض والطلب في العجلة الاقتصادية بشكل عام، فإنه لا بد لنا من الاطلاع على تعريف كل منهما، حيث يشير مصطلح العرض بشكل عام إلى كمية السلع أو الخدمات التي يمكن للمنتجين تقديمها إلى السوق عند نشرة أسعار معينة، و نحيطك علمًا بأنه يتأثر بعدة عوامل، مثل تكاليف الإنتاج، التكنولوجيا، عدد المنتجين، والسياسات الحكومية أيضا، وكنتيجة عامة يمكن القول إنه كلما زادت الأسعار، يزداد العرض معها بسبب قدرة المنتجين على تحقيق ربح أعلى.
أما فيما يخص تعريف الطلب، فإنه يمكن اعتباره على أنه كمية السلع أو الخدمات التي يرغب المستهلكون في شرائها عند نشرة أسعار معينة، وهو يتأثر بالعديد من العوامل، بما في ذلك الدخل، أذواق المستهلكين، أسعار السلع البديلة، والتوقعات المستقبلية، حيث إنه كلما انخفضت الأسعار، ازداد الطلب بشكل تلقائي، وذلك بسبب ميل المستهلكين إلى شراء كميات أكبر عندما تكون الأسعار في متناولهم.

كيف يتحكم العرض والطلب في تحديد الأسعار؟
في الواقع، إن العلاقة بين العرض والطلب من ناحية تحديد الأسعار تعتبر عكسية تمامًا، حيث يتحكم العرض في تحديد الأسعار من خلال العلاقة بين الكمية المعروضة والسعر المرافق لها، فعندما يزيد العرض عن الطلب، قد يؤدي ذلك إلى فائض في السلع، مما يدفع الأسعار للانخفاض، وعلى العكس، فإنه إذا كان العرض أقل من الطلب، عندها قد يحدث نقص في السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي، يعكس لنا السعر ضرورة توازن القوى بين المنتجين والمستهلكين.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر السياسة على الاقتصاد العالمي؟ نظرة عميقة
أمثلة على تأثير العرض والطلب في الاقتصاد
في الحقيقة، هناك الكثير من الأمثلة التي توضح لنا كيفية كل من تأثير العرض والطلب في الاقتصاد، حيث سنقدم لكم عدة أمثلة تشرح تأثير كل من العرض والطلب على الأسعار وفق الشكل التالي:
- أسعار النفط: إذ إنه عندما يطرأ أي اضطراب في إنتاج النفط، سواء بسبب الأزمات السياسية أو الكوارث الطبيعية، فإن العرض سوف ينخفض تلقائيًا بينما يبقى وضع الطلب كما هو، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، على سبيل المثال، في عام 2020، تأثرت أسعار النفط بسبب جائحة كورونا، حيث انخفض الطلب بشكل حاد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة النفط الشرائية بشكل كبير.
- أسواق التكنولوجيا: حيث يمكن القول إنه عند إطلاق أي منتج جديد مثل الهواتف الذكية، قد يكون الطلب مرتفعًا جدًا في البداية، وفي حال كان العرض محدودًا، سوف ترتفع الأسعار بشكل ملحوظ، ولكن مع مرور الوقت، ومع زيادة الإنتاج، يتوازن العرض مع الطلب تلقائيًا، مما يساهم في استقرار الأسعار.
- الأسواق الزراعية: بشكل عام، يزيد العرض على المنتجات الزراعية خلال مواسم الحصاد السنوية لكل منتج زراعي، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل كبير، بينما في أوقات الجفاف أو الكوارث الطبيعية، ينخفض العرض، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار فورًا.
اقرأ أيضاً: التحديات الاقتصادية للتغيرات المناخية
العلاقة بين العرض والطلب والتضخم أو الركود
في الواقع، يحدث التضخم في أي مكان عندما يكون الطلب على السلع والخدمات أكبر من العرض، حيث يميل التجار في هذه الحالة إلى رفع الأسعار تلقائيًا معتمدين على زيادة الطلب، فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك زيادة كبيرة في الطلب على السلع الأساسية مثل الغذاء أو الطاقة دون زيادة مماثلة في الإنتاج، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ.
بينما فيما يخص الركود فهو يحدث عندما ينخفض الطلب بشكل ملحوظ دون أي تغيير في العرض، وفي هذه الحالة، سوف يؤدي الانخفاض الكبير في الطلب إلى تراجع الأسعار وفي بعض الأحيان قد يؤثر حتى على الإنتاج فيخفضه، على سبيل المثال، خلال فترة الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، شهدت العديد من الدول ركودًا نتيجة انخفاض الطلب من قبل كل من المستهلكين والشركات على حد سواء.

لماذا يعتبر توازن العرض والطلب مهما لأي اقتصاد؟
لا شك لدينا أن الأهمية الكبيرة التي يمتلكها التوازن بين العرض والطلب على مستوى الاقتصاد العالمي لم تأت عن عبث، إذ إنه يسهم في تحقيق الأمور التالية:
- استقرار الأسعار والحفاظ على نسبة ثابتة لها مهما كان نوع المنتج المتداول، مما يعزز الثقة في السوق بشكل كبير.
- توجيه الموارد وتخصيصها بشكل فعال، حيث يتم التركيز على إنتاج سلع وخدمات يحتاجها المستهلكون بشكل أكثر من غيرها.
- تعزيز النمو الاقتصادي في الدول، وذلك من خلال التشجيع على عمليات الاستثمار والإنتاج بسبب توازن النسبة بينهما واستقرار السوق.
وفي الختام، يمكن القول إن العرض والطلب يعتبران من المفاهيم الأساسية التي تشكل أساس الاقتصاد الحديث، إذ إن فهم كيفية تأثير هذه القوى على الأسعار والأسواق يمكن أن يساعد كل من الأفراد والشركات وحتى صانعي السياسات في اتخاذ قرارات فعالة، ومن خلال الحفاظ على توازن صحي بين العرض والطلب، يمكن تحقيق استقرار اقتصادي ونمو مستدام، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.